POLICIES /الصفحة الرئيسية

الحلم الهندي على وشك التحطيم

لقد كان نضالنا الطويل وتضحياتنا من أجل الحرية التي أدت إلى استقلال بلادنا في عام 1947م، ووضع الدستور بعد ثلاث سنوات الذي كان يُمثل تحقق الحلم للبلاد. حيث أردنا مجتمعًا يهتم بمصالح الفقراء أثناء صياغة السياسات وتنفيذها حيث يتم توفير الحقوق المتساوية للجميع ولا يكون هناك أي مكان للكراهية والتمييز.  
كفل دستورنا حق المساواة في المجتمع وأمام القانون، وحق الحرية والسلامة الشخصية وحق الحصول على العدالة الدستورية والمساواة في المعاملة من قبل الدولة، وحق اتباع ديانة أو عدم الإيمان بأي دين، بالإضافة إلى حق الزواج بمن يريد وحق العيش حيث يريد، وحق الخصوصية والعدالة.
بذلنا كل جهدنا على مر السنين لتحقيق مُثُلنا وقيمنا الدستورية. لقد بنينا مؤسسات قوية. ولا أنكر بأنه تم ارتكاب أخطاء مثل فرض حالة الطوارئ ولكن سرعان ما تم تصحيحها إما من قبل الحكام أومن قبل الشعب الهندي.
توقفت رحلتنا على طريق المساواة والديمقراطية والإشتراكية والعلمانية عندما دخلت قوات الهندوتفا في مجال السياسة في منتصف الثمانينيات، وتبنت نزاعًا قديمًا حول مسجد البابري، ما أدى في النهاية إلى هدمه بأيدي المتعصبين في ديسمبر عام 1992م.
لقد تضاءل حلم الهند العلمانية والإشتراكية بعد هدم المسجد القديم. ولم يعد النظام السياسي الهندي هو نفسه الذي كان في الدستور. بدأ حزب سياسي يدعم الهندوتفا لفوز الإنتخابات على أساس الكراهية وتهميش جزء من سكان البلاد. حكم هذا الحزب الهند خلال فترة ما بين 1999-2004، ولكن لأن الحكومة كانت مع تحالف الأحزاب السياسية الصغيرة، لم يكن هذا الحزب حراً في تحقيق أحلامه عن الهندوتفا ولكنه ساعد في نشر فكرة الإرهاب الإسلامي في الهند. اعتاد "إيل كيه أدفاني"، وزير الداخلية الهندي آنذاك، بتكرار تصريحاته، "ليس كل مسلم إرهابي ولكن كل إرهابي مسلم".
أُعلنت نتائج الإنتخابات عام 2014م، وفاز بالأغلبية الحزب الذي يرأسه شخص أشرف على أعمال الشغب والعنف في ولاية غوجارات عام 2002م، وجاء الحزب إلى السلطة بوعود كبيرة وادعى أنه يعمل من أجل التقدم والتنمية مع جميع طبقات المجتمع، ولكن سرعان ما انكشفت خطته لاحقاً بأنه عبارة عن تنفيذ سياسة الكراهية ضد الأقليات في بلاد المسلمين والمسيحيين. وخفت المشاكل للمسيحيين خلال العامين المقبلين (على ما يبدو بسبب الضغط الأجنبي) لكنها استمرت ضد المسلمين. واتخذت هذه المشاكل والتحديات أشكالاً عديدة مثل القتل الجماعي من قبل حشد باسم حماية البقر، أو ما يسمى بـ "جهاد الحب"، وخطة تحويل الهندوس إلى الإسلام، ومؤامرة المسلمين لزيادة عددهم في الهند. وتقوم وسائل الإعلام المختلفة بحملات دورية ضد المسلمين باستخدام أي حادث طائش أو مزيف، مثل الادعاء بأن المسلمين كانوا ينشرون كورونا في البلاد عن قصد. وكان قادة الحزب الحاكم وأعضاء البرلمان وحتى الوزراء يلقون خطابات الكراهية، ولم يتم حتى تأنيبهم على تصريحاتهم التحريضية.
نجح الحزب الحاكم بصرف انتباه الهندوس عن إخفاقاته الهائلة وفشله على كل الجبهات وجميع المستويات وذلك من خلال استخدام هذه الكراهية على مدار الساعة، لدرجة أنه على الرغم من هذه الإخفاقات فاز مرة أخرى في الانتخابات العامة في عام 2019م. وبدأ الحزب هذه المرة بتنفيذ خطته الطويلة المدى مثل حرمان ملايين المسلمين من جنسيتهم الهندية باسم تنفيذ قانون المواطنة الجديد، ما أدى إلى احتجاجات كبيرة من قبل المسلمين والتي استمرت لأشهر في جميع أنحاء البلاد، وتمكنوا من كبحها عن طريق فرض القيود بإسم جائحة كورونا. وزادت الطين بلة حينما قامت الحكومة الهندية بإلغاء المادة 370 من الدستور الهندي، وتحويل ولاية جامو وكشمير إلى إقليم تحت سيطرة الحكومة الهندية المركزية وانتزاع منطقة لاداخ منها.
لقد أصبح القتل والإعدام والدعاية العلنية المعادية للمسلمين والدعوات لقتل المسلمين أمرًا شائعًا وعاديا في الهند. ولم تتأثر إدانات وطنية ودولية واسعة النطاق لهذه السياسات للحكومة الهندية وبلغ الأمر إلى حد أنه عندما أثار وزير الخارجية الأمريكي الزائر قضية حقوق الإنسان في الهند، رد نظيره الهندي قائلاً إننا نصحح الأخطاء التاريخية…!
تستخدم الحكومة الهندية شبكة ضخمة تراقب من خلالها كل ما يقوله ويفكره المواطنون. وتم إلقاء القبض على آلاف الأشخاص بتهم النشاطات المعادية للبلاد، ومحاولة تغيير الدين وأكل لحوم البقر وتهم الإرهاب الزائفة. وكشفت فضيحة بيغاسوس مؤخرًا شبكة المراقبة الضخمة التي بنتها هذه الحكومة لترويض المجتمع المدني الهندي الذي كان سابقاً نابضًا بالحياة.
لا يركز نظام المراقبة والتجسس بطرق مختلفة على المجرمين والإرهابيين فقط ولكن على النقاد العلمانيين والأشخاص الذين يعتبرهم حكام اليوم أعداء في السياسة.
إن حقوق الإنسان والحقوق المدنية والنظام السياسي العلماني في الهند في خطر. هناك حاجة إلى بذل جهد شامل لاستعادة أحلام مؤسسي الهند المستقلة، التي تدمرها الآن أيديولوجية الهندوتفا الفاشية والحاكمة على الهند. لم أفقد الأمل ولكني أدرك أن صراعًا طويلاً ينتظرنا لاسترداد مُثُلنا ومُثُل استقلالنا.

الملاحظة: الآراء المعبر بها هي آراء المؤلف فحسبُ
المصدر:

Take Me Top