RAPES /الصفحة الرئيسية
في تقرير المعلومات الأولية في مركز الشرطة تم تسجيل مقطع فيديو للتعذيب الذي تعرضت له الشابة في شوارع مدينة نيودلهي، لقد تم اختطافها من منزلها وإبعادها عن طفلها جبراً، واعتدى عليها المجرمون جنسيًا، وارتكبوا الجرائم التي يمكن أن توصف بالاغتصاب الجماعي والضرب المبرح، وتعرضت للإيذاء والمضايقة، وطافوا بها حول ممرات الحي الذي تعيش فيه.
ويظهر في مقطع الفيديو جزءًا بسيطاً مما واجهته، فنراها محاطة بالرجال والنساء والأطفال وهم يصفقون ويسخرون كلما يتم دفعها وصفعها، وهي تصرخ من الألم وتنشد الرحمة والمساعدة. كما يظهر في مقطع فيديو آخر تعرضها للركل على الأرض من قبل شاب وضربها بوحشية بحزام، إنه أمر مروع، كل هذا حدث في ضوء النهار، استمرت هذه العملية الوحشية لأكثر من ساعة، المنطقة التي حدث فيها هذا الحادث ليست في قرية نائية ولكن في منطقة مزدحمة في الجزء الشرقي من عاصمة الهند.
وقيل بأن الهجوم عليها جاء على ما يبدو انتقاما من عائلة انتحر أحد أفرادها في شهر نوفمبر العام الماضي. واتهمت أسرة ذلك الرجل تلك المرأة لوفاته، فمنذ ذلك الحين، قاموا بمضايقة الفتاة وعائلتها حتى اضطرت إلى ترك وظيفتها وتغيير المنزل مع زوجها وطفلها بسبب التهديدات العنيفة التي تلقَّتها. كما تعرضت أختها الصغرى للتهديد. فتقدمت بعدة شكاوى إلى شرطة دلهي لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء من قبل الشرطة في هذا الصدد.
وبعد وقوع الحادث، وصفت رئيسة لجنة دلهي لشؤون المرأة المهاجمين المجرمين بالحيوانات، وأضافت قائلة بأنهم متورطون في تجارة الخمر بشكل غير قانوني وهم مجرمون معروفون. وأصدرت إنذارا للشرطة لاتخاذ خطوات حاسمة لاعتقال المجرمين في أسرع وقت ممكن، كما وصف السيد "غوتام غامبير"، عضو البرلمان من حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، والذي زار أسرة المرأة، المجرمين بالوحوش والحيوانات، وأكد لمواطني دلهي أن المجرمين سيتم جلبهم إلى ساحة العدالة. وبعد أربعة أيام من الحادث، تم اعتقال تسعة أشخاص، بمن فيهم سبع نساء، وهل الأمر انتهى عند هذا الحد بعد أن تم اعتقال "الحيوانات والوحوش"؟
والأسئلة التي تثار مألوفة لمن يناضل من أجل العدالة ومنع الجرائم ضد المرأة، لماذا لم تتخذ شرطة دلهي أي خطوة بشأن شكوى الأخت الصغرى التي قدمتها قبل أسبوع من الهجوم؟ فلو تصرفت الشرطة في الوقت المناسب، لكان من الممكن إنقاذ الشابة، كيف يمكن أن تحدث مثل هذه الجريمة في مكان عام، حيث يشاهد العشرات من الناس شابة تواجه عقوبات علنا وبدون أي محاكمة، والشرطة غائبة تمامًا؟ وذكرت المرأة الضحية أنه بعد عرضها على الملأ، تم اقتيادها مرة أخرى إلى الغرفة وتم تعنيفها بوحشية من جديد. فلو وصلت الشرطة في الوقت المناسب، لكان من الممكن على الأقل إنقاذها من جزء من أعمال العنف التي واجهتها. فكان دور الشرطة في هذه القضية، كما هو الحال في العديد من القضايا الأخرى، ومع ذلك، لا يوجد إجراء أي تحقيق في تباطأ الشرطة أو حتى التقصير في أداء الواجب. والحقيقة المروعة والقاسية الأخرى هي أنه لولا نشر الفيديو للجمهور، كان من الممكن أن يفلت مرتكبو العنف من العقاب. ومع ذلك، في هذه الحالة، كما ثبت في العديد من الحالات الأخرى، من المحتمل أن يكون الفيديو نفسه قد تم تصويره من قبل أولئك الذين ارتكبوا أعمال العنف.
لكن هل كل من وقف وشاهد الحدث لا يتحمل أي مسؤولية؟ تجدر الإشارة إلى أنه خلال التشريع المناهض لعملية "ساتي" أي حرق النساء بعد وفاة الزوج مع جثته في عام 1987، كان هناك نقاش بين النشطاء حول مسؤولية المتفرجين الذين سمحوا بارتكاب جريمة قتل باسم "ساتي". وتم الإتفاق على أنه يجب أن يكون هناك التزام قانوني على المواطنين للمنع مثل هذه الجريمة إذا كانوا يعلمون أنها ستحدث.
وتم إدراج بند في القانون ينص على أنه ليس فقط على ضباط الشرطة بل يجب على سكان تلك المنطقة أنه إذا كان لديهم معرفة بأن عملية "ساتي" على وشك أن يتم ارتكابها أو تم ارتكابها في المنطقة، فيجب أن يبلغوا على الفور بهذه الحقيقة إلى أقرب مركز شرطة وإذا لم يفعلوا ذلك، فقد يواجهون غرامة أو السجن لمدة تصل إلى عامين.
وأثناء النضال من أجل التشريع ضد الجرائم المرتكبة باسم "الشرف"، أشارت المسودة التي أعدتها اللجنة الوطنية للمرأة آنذاك بالتعاون مع الناشطات من النساء على وجه التحديد إلى عقوبة أولئك الذين لم يبلغوا عن "جريمة شرف". النقطة المهمة هنا هي أن مسؤولية المواطنين أساسية، لا سيما في حالات منع الجرائم ضد المرأة. وفي القضية المذكورة أعلاه، كانت الشقيقة الصغرى للضحية هي التي استمرت في الاتصال بالشرطة وأنقذت أختها.
لكن القضية تسلط الضوء على حقيقة أخرى أيضا فتجاهلها يعتبر نفاقا، وهي أن الذين يروجون عمليات الهجوم الجماعي وينظمون مثل هذا الهجوم فيضربون ويقتلون الأشخاص باسم منع ذبح البقر، أو باسم جهاد الحب، أو ضد إطلاق لحية ولبس قبعة بيضاء، هم ليسوا الوحوش؟ كيف سيصف السيد "غوتام غامبير" القادة السياسيين الذين يقدمون الرعاية والحماية ويعززون أنشطة إجرامية مثل القتل الجماعي؟ فعندما نعبر عن حزننا وغضبنا ورعبنا من الجريمة المذكورة أعلاه، لا يمكننا أن ننسى أنها أيضًا نتيجة لتطبيع مثل هذه الجرائم من خلال الثقافة المروعة والمبللة بالدماء لقتل الغوغاء والحشود تحت إشراف الزعماء في مناصب السلطة.
وقع الحادث المروع في عاصمة الهند، في يوم الجمهورية والذي يعتبر مصادفة رهيبة. فهل يمكن أن يكون مثل هذا الحادث رمزًا لترويج القيم التي تخلق مواطنين غير مسؤولين؟
الملاحظة: الآراء المعبر بها هى آراء المؤلف فحسبُ